يشهد عام 2020 تحديات كبيرة أمام صنَّاع الدراما التليفزيونية، الذي يعود خلاله عدد كبير من النجوم لتقديم أعمال جديدة بعد غيابهم العام الماضى عن المشاركة، وكأن في 2019 عِبرة لصنَّاع الدراما، لما شهده العام الماضى من غياب النجوم الكبار وقلة الأعمال المتنافسة خلال موسم رمضان- الذي لا يزال الأقوى والأوفر حظا لجذب المشاهدين- إلى جانب تراجع المستوى الفنى لعدد من الأعمال التي عُرضت العام الماضى وانتقدها خبراء الدراما لتشابه الأفكار والمعالجات لها، هذا العام يشهد تنوعا في الأعمال المقرر أن يشهدها الماراثون الدرامى المقبل، واُستهل العام بعرض عدد من الأعمال خلال موسم يناير الجارى، الذي أصبح للعام الثالث على التوالى رائجا للدراما التليفزيونية، ويشهد تنافسا بين الفضائيات لعرض عدد كبير من الأعمال بعضها ينتمى لنوعية دراما الـ45 حلقة أو 30 حلقة، منها «الأنسة فرح» و«بخط الإيد» و«بيت القبائل» و«الأخ الكبير» و«ختم النمر»، كما يشهد موسم رمضان المقبل تنوعا في الأعمال المعروضة بين التشويق والكوميديا والدراما الدينية، منها «سيف الله» الذي يتناول سيرة خالد بن الوليد، وذلك بعد خروج تجارب لافتة للدراما العربية العام الماضى، ومنها «ممالك النار» الذي تناول نهاية حكم المماليك، وأيضا مسلسل «عروس بيروت» الذي نسج حكايته عن الدراما التركية، في الوقت الذي تتصاعد فيه المنصات الرقمية لتخطف جزءا من الأعمال بعرضها حصريا ويقوى تأثيرها عن العام الماضى كثيرا، وهو ما ستكشف عنه الفترة المقبلة.
موسم واحد يستحوذ على 60%من تورتة الإعلانات
قال الناقد أندرو محسن إن المسلسلات التي تعرض خارج رمضان تحرك مياه الحياة الدرامية تجاه عقدة رمضان، مشيرًا إلى أن هناك عددا من المسلسلات استطاعت أن تظهر بشكل جيد، وحققت نجاحا كبيرا ومشاهدات مثل «أهو ده اللى صار» و«أبوالعروسة» الجزء الثانى، وأيضًا مسلسلات حاولت أن تفعل ذلك مؤخرا مثل «حواديت الشانزليزيه» و«شبر ميه».
وقال الناقد طارق الشناوى إن المتحكم في سيطرة شهر رمضان على الدراما التليفزيونية هو الإعلانات، مشيرًا إلى أن الحسبة من الإعلانات هي من تجعل أعمال رمضان أكثر من خارجها حتى لو حققت النجاح.
وأضاف: الحسبة 60% من تورتة الإعلانات طوال العام تذهب لشهر رمضان و40 % مقسمة على 11 شهرا، لذلك عندما تتغير النسب وتكون طبيعية سنجد أن سطوة شهر رمضان انتهت، ويكون ذلك لصالح المتفرج المصرى أن يجد مسلسلات جديدة للمتابعة كل شهر بدلا من أن يظل يتابع أعمالا معادة وقديمة.
«ممالك النار» و«عروس بيروت» منافسة شرسة من الدراما العربية
شهدت الفترة الماضية عرض عدد من الأعمال العربية التي لفتت الجمهور، وحققت نجاحا كبيرا في مصر، ونافست الدراما المصرية في عقر دارها، واعتبر الناقد أندرو محسن أن المسلسلات العربية مؤخرا حققت نجاحا كبيرا، مثل «ممالك النار» الذي استطاع ترك علامة كبيرة في التحول الإنتاجى من بث فورمات جديدة لـ14 حلقة، مشيرًا إلى أننا منذ فترة أصبحنا لا نشاهد مثل هذه الأعمال. وأضاف «أندرو»: أيضًا مسلسل «عروس بيروت» استطاع أن يأخذ من الدراما التركية الكثير، فحقق النجاح وأصبح يشاهد جيدًا، والمسلسلات اللبنانية والسورية تسير بخطى ثابتة عربيًا أكثر من المسلسلات المصرية. وقال الناقد طارق الشناوى إن الدراما العربية مؤخرا كانت أقوى من الدراما المصرية، وذلك يشكل خطرا حقيقيا لابد من استيعابه، وأضاف: هناك ناقوس خطر بدأ يدق على الدراما المصرية، وهو أن المحتوى أصبح غير قوى، ويجب أن نعى أننا لم نعد في هذا المجال بمفردنا، وعلى الدراما المصرية استيعاب هذا الخطر على ريادتها والعودة مرة أخرى، وخاصة فيما ستحمله من أعمال العام الحالى.
البلات فورم.. المستقبل
معظم شركات إنتاج المحتوى العالمية اتجهت منذ فترة إلى حماية حقوق الملكية الفكرية للمحتوى، فلا يتاح على منصات مجانية بالجودة الفائقة المطلوبة للمشاهد، وكان الاتجاه إلى حماية حقوق المحتوى الدرامى المصرى بإنشاء تلك المنصات الرقمية الجديدة، ومنها Watch-it، وviu، ومن أجل منافسة المنصات المختلفة، سواء العربية كـ«شاهد دوت نت»، أو العالمية كـ«نتفليكس»، وبعض المنصات اتخذت على مدى عام كامل خطوات واضحة لإنتاج أعمال تعرض عبرها حصريا دون العرض التليفزيونى، كما تستقبل الفترة المقبلة أعمالا جديدة، منها «مملكة إبليس» للمؤلف محمد أمين راضى، بطولة غادة عادل ورانيا يوسف وسلوى خطاب وإيمان العاصى، الذي يعرض في فبراير المقبل، على «شاهد»، والتى استقبلت أيضا المسلسل الكوميدى «اللعبة» بطولة هشام ماجد وشيكو ضمن 30 حلقة، كما بثت منصة «واتش- إت» عددا من الأعمال حصريا بعد بثها تليفزيونيا في رمضان الماضى، ومنها «بدل الحدوتة 3» لدنيا سمير غانم.
وقال الناقد أحمد شوقى إن المنصات الجديدة في عالم التكنولوجيا أفادت الدراما كثيرًا بعكس ما لم تفعل في صناعة السينما المصرية، مشيرًا إلى أن صناعة المسلسلات أصبحت من الممكن أن تستغنى عن العرض على التليفزيون في سبيل هذه المنصات، سواء «نت فليكس» أو «واتش- إت».
وأضاف «شوقى»: تأثير هذه المنصات على عالم الدراما أصبح في مدى تخلى الصناع عن التليفزيون بعدما كان الاهتمام بالعرض التليفزيونى، وخصوصًا الرمضانى، هو الغالب، لكننا نرى حاليًا أن المخرجين والمؤلفين والمنتجين الذين كانوا يتسابقون على التليفزيون من الممكن أن يعرضوا أعمالهم حصريًا عبر تطبيق مدفوع.
وتابع: هذه طبيعة المرحلة والوسيط من العالم وارتباطنا بالتكنولوجيا وما يحدث من هذه التطبيقات هو نقلة كبيرة مثلما يحدث في كل التطبيقات وتحدث مشاهدات كبيرة للغاية، فأصبح من الطبيعى التغيير مثلما حدث في الجرائد الكلاسيكية انتقل إلى عالم الديجيتال والسوشيال ميديا وكل منه أصبح له عالمه ونافذته الخاصة التي يطلع بها على العالم.
وقال الناقد طارق الشناوى: لا شك كان التطبيق خطوة مهمة في مسار الإعلام المصرى، ويجب على الجميع دعم التجربة للنجاح، باعتبارها خطوة مهمة للصناعة ككل، وتابع: المنصات يجب أن نتعامل معها كجزء من تطور الحياة، والتعايش مع الروافد الجديدة، وتقبلها، وسيحدث تعايش سلمى مع المنصات وستخوض خطوات أعمق في إنتاج الأعمال الدرامية وعرضها هذا العام.
وقالت الناقدة ماجدة موريس: إن تطبيق «ووتش- إت» لديه ميزة مهمة جدًا تتمثل في التراث المصرى من ماسبيرو، ويجب استغلال ذلك في الاتجاه به نحو العالمية.
مواسم موازية للعرض
يرى عدد من خبراء الدراما أن صناعة الدراما تواجه تحديات كبيرة هذا العام، خاصة بعد ما شهده العام الماضى كواحد من أسوأ الأعوام الدرامية- بحسب وصفهم- والذى عُرض خلاله ما يقرب من 36 عملًا تليفزيونيًا عبر القنوات والتطبيقات الرقمية، مثل Watch-it، ومنصة Viu، و«شاهد»، وتم العرض خلال شهور السنة كلها، ومنها رمضان، الذي استحوذ على أكبر عدد من الأعمال، ولكن جاءت قلة الأعمال خلاله مقارنة بالسنوات الماضية، التي كان يصل عدد المسلسلات خلالها في شهر رمضان فقط إلى 60 عملًا، أي ما يفوق الأعمال التي قُدمت خلال عام 2019 جميعًا، ليأتى العام المنصرم الأقل إنتاجًا خلال السنوات الماضية، حيث نقص عدد الأعمال إلى النصف، وكان ذلك القرار ضمن تقنين المحتوى والأوضاع المالية لصناعة الدراما، والتى أدت إلى خسائر كبيرة للمنتجين، بعد قرار تقليل عدد المسلسلات وتحديد أجور النجوم.
وقال الناقد طارق الشناوى إنه لا يوجد أي عمل درامى استطاع أن يستحوذ على مشاعر وقلوب الناس مؤخرًا، خاصة في رمضان الماضى، باستثناء «ممالك النار»، عكس السنوات الماضية، حيث كانت هناك مسلسلات فعلت ذلك مثل «جراند أوتيل» و«تحت السيطرة» و«سجن النساء» و«ذات» و«هذا المساء» و«أفراح القبة»، إلا أن رمضان الماضى مثلًا كان هناك عمل واحد، وعلى استحياء استطاع ذلك، وهو «زى الشمس» بطولة دينا الشربينى، الذي استطاع أن يحقق نسبة ما من المتابعة، ولكن لم يكن هناك قدر من الإجماع عليه من جميع الجمهور.
وأضاف «الشناوى»: «عندما تم اقتراح تقليل عدد المسلسلات العام الماضى، قلنا في أنفسنا إنها فرصة لضمان الإبداع، ولكن قلة عدد المسلسلات أصبحت ضد الإبداع.
وتابع: «موسم رمضان المقبل لن يعود من ناحية عدد الأعمال المتنافسة مثل الأعوام الماضية، لكن سيكون أكبر قليلًا مما كان عليه العام الماضى، وسبب قلة الأعمال في رمضان المقبل أنه بدأ خلق مواسم موازية للعرض بجانب رمضان، وسيتميز أيضًا بعودة شركات للعمل تحت مظلة الشركة الرئيسية التي أنتجت عددًا كبيرًا من الأعمال، حيث سيشهد عودة شركات كبيرة إلى العمل مثل (العدل) وغيرها ليعطى أملًا للصناعة، وأتمنى أن نرى تعددًا في مذاقات أخرى لتلك الأعمال، فإعادة تقديم رواية إحسان عبدالقدوس مثلًا (حتى لا يطير الدخان) تُعد أمرًا جيدًا، وسيرًا في مناطق أخرى للإبداع، لأنه عن عمل أدبى شهير، المهم أن تتم صناعته بشكل جيد».
وعلق الناقد أندرو محسن، وقال: «المحتوى العام الماضى كان من أضعف السنوات التي مرت على مصر وحتى مسلسل «أهو ده اللى صار»، على الرغم من عرضه في 2019، إلا أنه إنتاج 2018، ومسلسلات قُدمت مؤخرًا لتملأ الاستهلاك اليومى للقنوات فقط لأنه غاب عنها الإبداع الحقيقى، وهو ما أتوقع أن يتعلم منه صناع الدراما المشاركون في العام الحالى، وأتمنى ألا يكرروه».